بحـث
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
مواضيع مماثلة
دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي
المكتبة الالكترونية السودانية - sudan :: المكتبة الالكترونيه - بحوث متنوعه - اقتصاد - ادارة - طب - هندسه - ومذيد :: المكتبة الالكترونيه السودانيه
صفحة 1 من اصل 1
دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي
دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"
للدكتور ابراهيم كبة
بيّنت الدراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي بأن المجتمع البشري واجه، منذ فجر التاريخ، ظواهر اقتصادية واجتماعية مختلفة كانت ذات صلة عميقة بطبيعته. ومن هنا ظهرت الحاجة الى التعرف والى المعرفة والى امتلاك فهم وادراك دقيق لمختلف هذه الظواهر. ويأتي "الفكر الاقتصادي والتاريخ الاقتصادي" بمثابة جهد وعمل كبير لما قام به المفكرون الاقتصاديون عبر عصور عديدة، في سبيل ايجاد مفاهيم وأفكار للظواهر الاقتصادية بغية معرفتها والتكيف او التكم بها، وجعلها أكثر ملائمة للاستيعاب عند الضرورة. وأن دراسة الاقتصاد وفهمه يرتهنان ايضاً بالمنج الذي يستخدمه هذا الكاتب او ذاك، هذا الباحث او ذاك، هذا الفيلسوف او ذاك، لغرض فهمه وادراك أبعاده.
الفكرة العامة للكتاب
يأتي مؤلف د. ابراهيم كبة "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"، الصادر عام 1970 عن مطبعة الارشاد – بغداد، الطبعة الاولى – الجزء الاول، والذي ساعدت جامعة بغداد على طبعه، ويحتوي على 560 صفحة من الحجم المتوسط، متضمناً مقدمة حول مواد الكتاب في صفحة 7 الى صفحة 48، والقسم الاول تحت عنوان "تاريخ الاقتصاد" من 49 – 262) صفحة. وهو مقسم الى اربعة فصول. الفصل الاول "مقدمة في الادب الاقتصادي (51 – 82)، والفصل الثاني "نظرية انماط الانتاج" (83 – 111)، والفصل الثالث "نظام المشاعية البدائية" (112 – 138)، والفصل الرابع "نظام العبودية" (139 – 262). والقسم الثاني يحمل عنوان "في تاريخ الفكر الاقتصادي" في الصفحات 263 – 559. وقد وضعه في فصول. الفصل الاول "ملاحظات عامة" (ص 264 – 334)، والفصل الثاني "الفكر العبودي" (335 – 380)، والفصل الثالث "الفكر الاقطاعي" (381 – 419)، والفصل الرابع تحت عنوان "شومبيتر والفكر السكولائي" (420 – 459)، والفصل الخامس "الماركنتيلية" (490 – 532)، والفصل السادس "الكامرالية" (533 – 556). واضعاً لكل قسم او فصل من فصوله فهرساً تفصيلياً خاصاً مع هوامش وحواشي لمزيد من التفصيلات، وبعض المفردات المعرفية الخاصة بآراء المفكرين وتواريخ تناولهم للمادة المطروحة.
فلم يكتف المؤلف بمراجعة المصادر الثانوية، بل بذل مجهوداً كبيراً في الرجوع الى المؤلفات الاصلية لاصحاب المذاهب والآراء، وبلغتهم الاصلية، موفراً مادة مليئة بالعطاءات التاريخية والفكرية، وبالوقائع والنظريات وملاحظاته النقدية لها، التي تشكل مادة غنية بين أيدي الدارسين والباحثين والقراء، للاستفادة منها، وأن تكون حافزاً للتعمق اكثر وللتحليل ولمراجعة الاصول التي اعتمدها المؤلف.
المنهج العام للكتاب
تناول د. كبة في القسم الاول "التاريخ الاقتصادي" في الصفحات 49 – 262، بعد مقدمة للتحليلات اللمية، مقدماً مادة منهجية منذ البدايات، تناول أسسه المنهجية، حيث يضع عناوين كمقدمة عامة في مادة التاريخ الاقتصادي، تشمل:
أ – موضوع التاريخ الاقتصادي الذي يعني، حسب المؤلف، بدراسة النشاطات الاقتصادية Activities، كما في الواقع، او حسب تعبير اندريه بيتر Andre Pietter يعني بتاريخ الحياة الاقتصادية Vie او بتاريخ الوقائع الاقتصادية Faits، حسب تعبير مؤرخي الاقتصاد الفرنسيين او بتاريخ الخبرات والتجارب الاقتصادية Experiences حسب تعبير شمبيتر Schumpeter او بتاريخ تطور العمليات الاقتصادية، متجسدة عبر الزمن Process حسب تعبير اوسكار لانجه او تاريخ تعاقب الانظم الاقتصادية Economic Systems.
ب – كما يتناول المؤلف أساليب عرض المادة في المؤلفات الاكاديمية، أي دراسة التاريخ الاقتصادي حسب التقسيم الاكاديمي التقليدي للتاريخ العام الى عصور قديمة ووسطى وحديثة، مثال هيتون Heaton، ومؤلفه "التاريخ الاقتصادي لاوربا"، منتقداً (د. كبة) عيوب هذه الطريقة، فضلاً عن الغموض والشكوك الحديثة حول هذا التقسيم، كما يشير الى اقتصارها على الزوايا والاطر التاريخية فقط من دون التعمق، او في دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية القطاعات الاقتصادية (زراعية، صناعية، تجارة... الخ)، والاسلوب الذي يتخذه برني Brinie في مؤلفه "تاريخ اقتصادي لاوربا"، ويفند د. كبة هذه الطريقة بأنها تكمن في تجزئة العملية الاقتصادية بصورة مصطنعة، او في استعراض تاريخ أجزاء من العمليات الاقتصادية تعود لأنظمة اقتصادية مختلفة من دون ملاحظة وظائفها المتيانية، او الدراسة الاقليمية للتاريخ الاقتصادي، اي استعراض التاريخ من زاوية التوزيع الجغرافي للعملية الاقتصادية. ويعطي مثل كتاب كول G. D. H Cole "مقدمة للتاريخ الاقتصادي 1750 – 1950" وملاحظة د. كبة حول ذلك، لا ضير عن هذه الطريقة، لكن يشرط ان لا تستعمل إلا كتجسيد او تطبيق اقليمي لعملية تطور النظم الاقتصادية نفسها، بالاضافة الى كونها تخلط بين الاسلوب المناسب للتاريخ الاقتصادي وأسلوب الجغرافية الاقتصادية.
كما ان المؤلف يشير الى الدراسة المقارنة للتاريخ الاقتصادي، كما يفعل ولتر بكنكهام W. Buckingham في مؤلفه "النظم الاقتصادية النظرية – دراسة مقارنة"، وهو يقارب بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي. وهناك خلط، كما يقول د. كبة، بين التاريخ الاقتصادي والنظرية الاقتصادية، او كما يفعل رالف بلوجت R. Blodgette في مؤلفه "النظم الاقتصادية المقارنة"، وعيوب هذه الافكار والنظريات في أن الاسلوب قد يكون مفيداً من الناحية العملية، ولكنه مضر من ناحية اهماله للطابع العضوي للنظام الاقتصادي، او كما تجري الدراسة المؤسسية Institutional للتاريخ الاقتصادي، أي التركيز على تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، مثال دراسة الاقتصاديين الامريكيين كولمان وسكنر Kuhlman & Skinner في مؤلفهما "النظام الاقتصادي" (طبعة منقحة 1964)، دراسة النظام الامريكي من زاوية الملكية الخاصة ونظام الاسعار الحر Free price system، وعيوب الدراسة، كما يقول د. كبة، من انها تهمل في الحقيقة المفهوم العلمي للنظام الاقتصادي، فضلاً عن مفهومها الخاطئ للراسمالية والخلط بين الدراسة النظرية والواقع الاقتصادي. ويستعرض المؤلف ايضاً دراسة النماذج النظرية Economic Models في التاريخ الاقتصادي، أي دراسة الخصائث الجوهرية للنظم الاقتصادية – التاريخية (اقطاع، رأسمالية، اشتراكية... الخ) بعد تجريدها من التفاصيل غير المهمة. وهنا يقف د. كبة الى جانب هذا الاسلوب من الدراسة للتاريخ الاقتصادي، معتبراً اياه خطوة لا غنى عنها لفهم جوهر الانظمة الاقتصادية التي تعاقبت، ولكن المنهجية العلمية تفترض ان يعقب التجريد عملية اخرى هي عملية التقريب او التمديد المتعاقب Successive Approximation، وغير ذلك ستكون الدراسة مشوبة بعيب التجريد والبعد عن التاريخ الحقيقي، ويعطي مثال دراسة بول سويزي Paul Sweezy المعروفة عن "نظرية التطور الرأسمالي"، او في دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية النمو الاقتصادي Growth او بعبارة أخرى دراسة تاريخ النمو الاقتصادي، وكمثال مؤلف كلاف Clough بعنوان "التطور الاقتصادي للحضارة الغربية"، وتركز الدراسة على الجوانب القطاعية (زراعة، صناعة، تجارة، ائتمان، مواصلات... الخ). وطابعها العام، كما يقول د. كبة، هو الطابع التكنولوجي. كما يشير المؤلف الى اسلوب بعض أنصار المدرسة التاريخية الالمانية، في تقسيم التاريخ الاقتصادي الى مراحل تاريخية مختلفة Stufen، والتي تتميز كل منها بسيادة نظام اقتصادي معين، مع التأكيد على الطابع المثالي او الروحي الذي يميز الانظمة المذكورة، كما يفعل ماكس فيبر (1946 – 1920) في كتابه "التاريخ الاقتصادي العام"، ومؤلف فرنر سومبارت F. Sombart (1863 – 1941) في مؤلفه "الرأسمالية الحديثة"، والاشتراكي البريطاني توني tawny في مؤلفه عن "الدين ونشوء الرأسمالية". وملاحظة د. كبة من ان المفهوم الروحي للتاريخ الاقتصادي يستند على منهج يخالف على طول الخط اولويات المنهج العلمي، الذي يتسم بطابعه المادي، بالمعنى الفلسفي، ومن ان هذه الاساليب يشوبها عيبان مشتركان هما: عيب التجزئة من جهة، وعيب اللاتاريخية من جهة أخرى.
وينتهي د. كبة ملاحظة بالاشارة الى ان الطريقة الصحيحة، في رأيه، في عرض التاريخ الاقتصادي هي طريقة دراسة تطور وتعاقب النظم الاقتصادية (نظم الانتاج والتوزيع) بسائر مقوماتها العلمية، وفي اطرها الاجتماعية والتاريخية (أنظر ص 60). وفي الصفحات التي تليها يضع المؤلف قائمة بأسماء المؤلفات التي تساعد في دراسة المادة في الجامعات.
أهم الاشكاليات التي تناولها المؤلف
يرى د. كبة ان من المناسب الاشارة الى بعض النظريات حول مراحل التاريخ الاقتصادي، ويختار منها بعض نظريات التفسير الاقتصادي، تاركاً النظريات الاجتماعية الأخرى... الخ
أ – مثل نظرية فون لست F. List حول مراحل التاريخ الاقتصادي القومي، وهو من رواد المدرسة التاريخية الالمانية والمدرسة الرومانتيكية الالمانية ومؤسس المدرسة الوطنية فيها. ونظامه الفكري في كتابه "النظام الوطني للاقتصاد السياسي"، ويقوم نظامه الفكري على ثلاث أركان (نظري، عملي، تاريخي). وتستند نظريته الى اعتبار تقسيم العمل هو العامل الحاسم في التطور الاقتصادي، ولهذا العامل ايضاً يكتسب أهمية من قبل آدم سمث، وقبله افلاطون وارسطو، إلا ان هذا العامل، حسب رأي د. كبة، لا يمكن ان يكتسب دلالته إلا ضمن نمط العلاقات الانتاجية بمجموعها.
ب – نظرية هلدبراند حول مراحل التطور الاقتصادي للامم
يعتبر برونو هلدبراند (1812 – 1878) أحد مؤسس المدرسة التاريخية الالمانية، والذي هاجم المدرسة الكلاسيكية البريطانية في مؤلفه "الاقتصاد السياسي للحاضر والمستقبل"، وهو يرى ان مهمة علم الاقتصاد يجب ان تقتصر على دراسة التاريخ الاقتصادي الحقيقي للامم. وطرح نظرية المراحل الثلاث للتاريخ الاقتصادي (الطبيعي – النقدي – الائتماني)، ونظريته لاقت نقداً لعدم تطابقها مع الوقائع التاريخية الحقيقية، حيث يؤكد التاريخ الاقتصادي ان استعمال الائتمان سبق استعمال النقود المعدنية (استعمل الفراعنة الائتمان منذ الألف الثانية قبل الميلاد، بينما لم تستعمل النقود المعنية قبل القران الثامن) (قز م – ص 66). هذا بالاضافة الى نظرتها السطحي للتبادل واعتباره محوراً أسياسياً، في حين ان التبادل هو شكل من أشكال التوزيع.
ج – نظرية مورغان لمراحل التطور الاقتصادي بفعل تطور أدوات الانتاج
من الاوائل الذين ركزوا على أهمية العامل التكنولوجي (تطور أدوات الانتاج) كان الانثروبولوجي بالامريكي هنري موركان H. Morgan، وعلى نشوء وتطور وانحلال النظم الاقتصادية. وتعد نظريته، كما يشير د. كبة، احد المصادر الاساسية للنظرية الاشتراكية، وذلك بتأكيدها على عامل قوى الانتاج، واعتباره الحافز الاول للتطور الاقتصادي والاجتماعي. ويلاحظ على هذه النظرية من انها وحيدة الجانب one side لاعتبار ان التقدم التكنولوجي نفسه مشروط دائماً بالمحيط الاجتماعي.
د. نظرية بوخر في تطور الوحدات الاقتصادية:
كان بوخر (1847 – 1930) احد أقطاب المدرسة التاريخية الالمانية الجديدة بجانب شمولر وماكس فيبر وسومبارت، وهو يشير في كتابه "نشوء الاقتصاد" (1893) الى ان الاقتصاد مر بثلاث مراحل تاريخية هي "المرحلة المنزلية، مرحلة اقتصاد المدن، مرحلة الاقتصاد الوطني". ونظريته لها تأثير في صياغة المدرسة الاقتصادية الامريكية – المؤسسية Institutional (قبلن كوفنر، ميتشل... الخ)، كما اشار لها بوضوح افلاطون وارسطو، كما اشار لها آدم سميث لتقسيم العمل.. الخ، وبسبب طابعها الميكانيكي هاجمها سومبارت، فضلاً عن الاقتصاديين المعاصرين.
هـ - نظرية روستو في مراحل النمو الاقتصادي
يرى روستو بأن جميع الاقطار تمر في تطورها الاقتصادي بخمس مراحل من المرحلة الدنيا الى الأعلى، وهي:
1 – مرحلة المجتمع التقليدي Traditional
2 – مرحلة الشروط المسبقة الانطلاق Preconditions of take off
3 – مرحلة الانطلاق Take off
4 – مرحلة السير نحو النضوج Drive toward maturity
5 – مرحلة الاستهلاك الجماهيري المرتفع High mass consumption
وبعد ان يشير د. كبة لكل مرحلة وما يخبرها من المراحل الاخرى، يقدم ملاحظاته النقدية، في كونها تشكل مجموعة من أفكار البرجوازية، ولا تحتوي على عنصر جديد، لا في فكرها الاجتماعي او الاقتصادي، وهي خليط متنافر من آراء مجموعة الاشتراكيين التصحيحيين Revisionists والتكنولوجيين المعاصرين، وبعض الآراء الكنزية، الى جانب العديد من الاراء المغرقة في الفاشية والنازية وموجهة لتحقيق أهداف محددة، وهي معارضة للاشتراكية ولحركة التحرر الوطني.
و – نظرية اندريه بيتر في ربط مراحل التطور الاقتصادي بمراحل حضارات البحر المتوسط
نظرية اندريه بيتر تتلخص من ان الحضارات اليونانية والرومانية والغربية الحديثة مرت بثلاث مراحل. المرحلة الاولى تميزت بخضوع الاقتصاد Subordonnee للتقاليد الدينية والاخلاقية، حتى القرن الثامن عشر. اما االمرحلة الثانية، فانها تتميزيز بتحرر المجتمع من هذه التقاليد وينتزع الاقتصاد نحو التحرّر ويتحول من خاضع الى اقتصاد مستقل Independent، ودخلت اوربا في هذه المرحلة ابتدءاً من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والمرحلة الثالثة تتميز بانحلال عناصر الفردية وتحول الحرية الى فوضى والسلطة الى استبداد، بسبب الطابع اللاأخلاقي لتراكم الثورة، وتضطر الدولة للتدخل في الحياة الاقتصادية، ويتحول الاقتصاد الى الاقتصاد الموجه Dirigee، مرحلة تدخل الدولة Estatisme
ينتقد د. كبة هذه النظرية ويصفها بالمثالية والسطحية في علاقة الاقتصاد بالدولة، بقوله ان جوهر المراحل يتحدّد بطبيعة قوى الانتاج بعلاقات الانتاج والتفاعل بينهما، ونتيجة لهذه الرؤيا لا يفرق بيتر بين المراحل التي مرت بها البشرية (العبودي – الاقطاعي – العصور الحديثة... الخ) ص 79.
كما يتناول د. كبة الجوانب المختلفة من العملية الاقتصادية ، Economic process، أي النشاطات المتعلقة بانتاج وتوزيع الوسائل المادية (أي البضائع) الضرورية لاشباع الحاجات الانسانية، ويقسم العلوم الاقتصادية الى العلوم الاقتصادية النظرية Theoretical، أي دراسة القوانين الاجتماعية التي تحكم العملية الاقتصادية والنظم الاقتصادية التاريخية المختلفة (البدائي، العبودي، الاقطاعي، الرأسمالي، الاشتراكي.. الخ).
وتقوم هذه النظم المختلفة على أساس مشترك هو الانتاج والتوزيع، وكلها اقسام من علم الاقتصاد السياسي، وتشمل ايضاً "تاريخ الفكر الاقتصادي" او ما يسمى احياناً تاريخ المذاهب الاقتصادية (ص 80). كما ان هنالك العلوم الاقتصادية الوضعية Descriptive، وهي التي تدرس العملية الاقتصادية متجسدة بالواقع في الازمنة والامكنة المعينة... بالاضافة الى تناولها التوزيع الجغرافي للعملية الاقتصادية والاحصاء الاقتصادي، والى جانب هذه العلوم، هنالك العلوم الاقتصادية التطبيقية، او كما تسمى أحياناً الفرعية Brach أو القطاعية Sartorial او المتخصصة Specialised او المتخصصة Specialised (حسب تعبير شمبيتر)، التي تعالج قطاعات معينة من الاقتصاد (الزراعي، الصناعي، التجاري، المصرفي، المالي... الخ) – ص 8.
كما ان د. كبة يوضح العلاقة بين التاريخ الاقتصادي وتاريخ الفكر الاقتصادي، والخلط الذي تذهب اليه بعض المؤلفات الاكاديمية بين هذه العلمين، مشيراً الى ان التاريخ الاقتصادي هو علم وصفي، يتناول الواقع التاريخي للعملية الاقتصادية، علم وقائع Factual، انه الوجه الواقعي (وجود – واقع) وجزء من القاعدة الاقتصادية Economic base، جزء من علاقات الانتاج، في حين ان تاريخ الفكر الاقتصادي، هو تاريخ الصياغات النظرية للقوانين الاقتصادية، والوجه النظري للعملية الاقتصادية (فكر – نظرية)، وجزء من مفهوم الايديولوجية او مفهوم البناء الفوقي – العلوي Super structure.
وعليه فان التاريخ الاقتصادي هو الاساس المادي لتاريخ الفكر الاقتصادي (ص 82).
كيف يرى بعض الاشكالات من منظوره؟
يتناول د. كبة الاسس المنهجية في دراسة نظرية انماط الانتاج في الفصل الثاني (ص 85)، واضعاً الاطار المنهجي لمجموع الدراسات الخاصة في هذا القسم. وفي دراسة مكثفة يأخذ في الاعتبار مجموع العوامل المادية والفكرية، التي توجه النظام الاقتصادي، مشيراً الى بعض المفاهيم الاقتصادية الاولية، معرفاً الاقتصاد السياسي بأنه العلم الذي يعنى بدراسة القوانين الاجتماعية التي تحكم انتاج وتوزيع البضائع لاشباع الحاجات الانسانية، سواء كانت هذه الحاجات حيوية (بايولوجية) او اجتماعية، والتي يقرّرها مستوى الثقافة العام في المجتمع، وقد تكون الحاجات فردية او جماعية... وغيرها من التعريفات التي ترتبط بعملية الانتاج والتوزيع والعمل، وكل ما يرتبط بالاقتصاد السياسي من قوانين.
وفي الفصل الثالث تناول نظام الاقتصاد البدائي او "المشاعي"، مؤكداً على طابعه التاريخي الشمولي، رابطاً اياها بالاصول البايولوجية والانتروبولوجية للتاريخ الانساني، الذي يوفر بدوره شروط نشوء النشاط الاقتصادي، وأن الملكية المشتركة لوسائل الانتاج اساس العلاقات الانتاجية، وتطابق تعاونية العمل، وهذا التطابق بين الملكية وقوى الانتاج جاء نتيجة لضعف الفرد المنعزل وليس نتيجة جعل وسائل الانتاج اجتماعية... والقانون الاقتصادي الاساسي لنظام انتاج المشاعية هو ضمان وسائل المعيشة الضرورية للانسان بالاعتماد على أدوات انتاج بدائية، وعلى اساس مشاعية تملك وسائل الانتاج، والعمل الجماعي، وطريقة التوزيع المتساوي للمنتجات. وكان التقسيم الوحيد للعمل هو التقسيم الطبيعي "رجال ونساء" (ص 118).
وفي الفصل الرابع (ص 139 – 261) يتناول المؤلف الاقتصاد العبودي معالجاً فيه مسائل نظرية حول نمط الانتاج العبودي – نظرية شروت وكوتتر، ودور القطاع السلعي، والطبقات) دراسة سولتو، نظرية اوتشتكو، الدولة والمجتمع العبودي، والازمة العامة للنظام العبودي، ملقياً اضواء ساطعة على أهم معالم نشوء المؤسسات الحضارية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويمكن القانون الاقتصادي الاساسي للنظام العبودي في انتاج مقدرا من فائض المنتوج Surproduit لاشباع حاجات مالكي العبيد، وذلك عن طريق الاستثمار (الاستغلال) الوحشي للعبيد على اساس التملك الكامل لوسائل الانتاج والعبيد من قبل مالكيهم، وعن طريق استرقاق asservissement والحاق الخراب بالفلاحين والحرفيين وتحويلهم الى عبيد مرحلة الانتقال الى العبودية – وكذلك عن طريق قهر واسترقاق شعوب البلدان الاخرى. موضحاً ملاحظاته (د. كبة) على نظرية شروت وكنتر فيما يتعلق عن العبودية الشرقية وأن طروحاتهما حول النظام الآسيوي نوعاً من العبودية لا تستند لاساس علمي، بالاضافة الى تغطيته الى الحقبة التاريخية البعيدة التي مرت، كقطاع الزراعة والحرف والتجارة وتقسيم العمل والتبادل والسلع والنقود والائتمان والطبقات الاجتماعية والدولة والمؤسسة العسكرية والثورات وغيرها.
والنظام العبودي هو الذي كان قد مكن على نطاق واسع نسبياً من تقسيم العمل بين الصناعة والزراعة، وبالتالي من بلوغ العالم القديم الذروة في الحضارة الهيلينية Hellenisme وبوجون العبودية لم يكن من الممكن وجود الدولة اليونانية او الفن والعلم الاغريقيان. الحال بدون قاعدة الحضارة الهيلينية والامبراطورية الرومانية، ما كان بالامكان ظهور اوربا الحديثة، مقتبسة من انغلز "الرد على دوهرنغ" Engels (Anti-Duhring) ص 199.
اما القسم الثاني من مؤلف د. ابراهيم كبة فمخصص عن "تاريخ الفكر الاقتصادي" (ص 263 – 556)، الذي تناول فيه بعض التيارات الفعالة في تاريخ الفكر الاقتصادي، بدءاً بالفكر اليوناني والروماني، وصولاً عبر السكولائية والماركنتيلية الى النظرية الكنيزية في الثلث الثاني من القرن العشرين.
حاول المؤلف ان يكرس جهداً كبيراً في دراسة الجوانب المنهجية والمبدئية والنظرية العامة، مستعرضاً الجوانب النقدية للمؤلفات الاكاديمية الحديثه، من وجهة نظره، مقدماً منهجاً علمياً شاملاً للافكار والمفاهيم والأسس المنهجية التي يمكن الاطمئنان لها، في دراسة تفاصيل التاريخ والأزمنة والوقائع والافكار الاقتصادية وفي تحديد المفاهيم الاساسية للعلوم الاقتصادية مثل المذهب، النظرية، النظام، المنهج، السياسة، المؤسسة، الفكرة، الفكر... الخ). بالاضافة الى تناول المناهج الاكاديمية (المنهج الكلاسيكي، التاريخي القطاعي، الاقليمي، المقارن... الخ، مركز على العيوب البارزة التي تصاحب التجزئة، التجريد، الشعلية.. الخ، ومن منهجية اعتمدها المؤلف. حيث يتناول الموضوع خلال دراسته لنظرية انماط الانتاج باعتبارها اطار لمجموعة الدراسات المنهجية الخاصة في هذا القسم من الكتاب، مشيراً الى حداثة المادة المطروحة، كما يذهب الى ذلك اريك رول Eric Roll في مؤلفه "تاريخ الفكر الاقتصادي" A History of Economic.
وفي القرن الثامن عشر ظهرت بعض المؤلفات في هذا الموضوع، يأتي في المقدمة منها من حيث الاهمية مؤلف آدم سمث Adem Smith "ثورة الامم" الذي يستعرض فيه الماركنتيلية، وما كتبه المؤرخون الاشتاركيون من الالمان في القرن التاسع عشر لتثبيت المنهج التاريخي مثل شمولر والناقدين للنظام الرأسمالي وفكره الاقتصادي من امثال كارل ماركس ونظريته في فائض القيمة ودوهرنغ في التاريخ النقدي للاقتصاد الوطني والاشتراكية، حتى اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث اصبح تاريخ الفكر الاقتصادي مادة مستقلة وأكثر مرغوباً Popular.
ويحدد د. كبة الاهمية لدراسة المادة، في انها تؤكد الطابع العلمي لعلم الاقتصاد وتجنب المرء خطر "التجريد" الشائع في علم الاقتصاد الاكاديمي أولاً، وثانياً في كونها تشكل مدخل لدراسة النظرية الاقتصادية المعاصرة واستيعاب الجدل القائم فيها بين الاقتصاديين، حول نظرية ارسطو في الطبقات الاجتماعية، او نظرية ريكاردو في الريع التفاضلي او آراء توماس الاكويني حول الربا او النظريات الفيزيوقراطية حول الزراعية، وكذلك كينز الذي احيى نظريات مالتس وبرودون وسيسموندي في أهمية الطلب الفعال ودوره في التحليل الاقتصادي. وهنا يؤكد د. كبة على أهمية الجدل للنظريات الاقتصادية المعاصرة من جهة، والمفكرين الذين يمثلون هذه الاتجاهات. وثالثاً يشير الى ان دراسة المادة لتجنب تكرار الاخطاء في السياسة الاقتصادية ولضمان التقدم في هذا الميدان، والبناء على أسس الفكر السابق، وتجنب ما يسميه كونار الزيزفية الفكرية Sisiphisme Intellectuelle في اشارة الى اسطورة زيزيف اليونانية المعروفة. ورابعاً لاثبات استمرارية ووحدة الفكر الاقتصادي منذ العصور القديمة حتى الآن. وخامساً هو التأكيد على الطبيعية الاجتماعية للاقتصاد وارتباطه بجميع العلوم الاجتماعية الاخرى كالسياسة، الاخلاق، الفقه، والجماليات وعلم الاجتماع... الخ). وسادساً هو ادراك نسبية Relativity الافكار الاقتصادية، وعدم تمتعها بقيم مطلقة وتوقفها على الظروف الزمانية والمكانية، مما يوحي بأهمية التطور من دون الثورة في زعم هاني Haney في مؤلفه "التاريخ الفكري للاقتصاد " History of Economic، كما يشير الى ذلك د. كبة. وسابعاً، ولأهمية التميز بين "علم الاقتصاد" كمجموعة قوانين موضوعية، وبين الاقتصاديين الذين يختلفون في تفسيراتهم لهذه القوانين، تبعاً لاختلاف فلسفة الحياة واختلاف المنهج Method.
كما ويشير د. كبة الى ان وراء كل فكر اقتصادي "قديم وحديث" فلسفة اجتماعية، هي حسب تعبير شتارك Strak مجموعة الافكار والمثل الاجتماعية التي صدر عنها في الاصل "علم الاقتصاد السياسي والتي يرجع اليها على الدوام". والاختلاف بين المدارس المختلفة حول ماهية الفلسفة، حيث يذهب ستارك الى القول بأن فيلسوفي الاقتصاد الكلاسيكي هما لوك ولايبتز، وان رائدي الاقتصاد الحديث، يقصد الكلاسيكي الجديد، على حد قول كبة، هما جننكس Jenning وكوسن Gossen، وأن خير معبر عن الأزمة الكبرى التي قاد الى التحول من الاقتصاد الاول الى الاقتصاد الثاني هما تومبسون Thompson وهوجسكن Hodgskin، في حين يرى لاجوجي ان هيوم هو فيلسوف الليبرالية الكلاسيكية.
يميل د. كبة الى الربط بين الصلة الأكيدة بين التحليل الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية، ومن الصعوبة فهم الاول من دون الثاني، وأن للفكر الاقتصادي جذرين، الاول الجذر الفلسفي، او ما يدعونه "الصورة العالمية للحياة الاجتماعية، والثاني الجذر العملي، اي الآراء والحلول لمشاكل الحياة الاقتصادية العملية، التي تصدر عن الساسة ورجال الادارة ورجال الا عمال... الخ.
وتأتي أفكار الامريكي افرتن تيلر E. Taylor لتدافع عن مؤرخي الفكر الاقتصادي المعاصرين وعن ارتباط الفكر الاقتصادي بتاريخ الفلسفة الاجتماعية ورد على بعض الاعتراضات الاكاديمية الموجهة ضد هذا المنهج بشكل مفصل، واعتراضه الاول مخالفة المنهج لمبدأ التخصص الواجب الالتزام به بدقة في البحث العلمي والثاني قائم على اختلاف الطبيعة بين مادتي الفكر الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية. يؤشر الاعتراض من ان الاقتصاد علم من العلوم الوضعية وتاريخ الفكر الاقتصادي، هو تاريخ لاكتشاف نظرية علمية وتسجيل لتطور أنواع المعرفة الحقيقية، بينما لا ترتفع النظريات السياسية والاخلاقية والفلسفية عن المستوى الايديولوجي الصرف، أي مجرد التعبير عن طرائق تفكير تأملية Speculative، لينتهي الى اعتبار المادتين بمثابة كل مركب Composit shole بعد ان درس المناخ الفكري العام في اوربا في القرن الثامن عشر (مناخ حركة التنوير Enlightenment). وحدّد الانجازات الاقتصادية للمدرسة الفيزوقراطية وفكر آدم سمث وفلسفته الليبرالية ودراسته لاقتصاد مالش + ريكاردو + مل، ودراسة للمذهب النفعي والنظام الكلاسيكي، بالاضافة الى دراسته الماركسية وارتباطها بالفكر الاشتراكي العام، وبفلسفة هيغل، والاقتصاد الريكاردي بالاضافة للمذاهب الكلاسيكية الجديدة ونظريات الافريد مارشال، في أواخر القرن الماضي، يقصد القرن التاسع عشر ودرس الجو الفكري في انكلترا "جو الليبرالية المحافظة Conservatoire Liberalism بالاضافة الى دراسته للكينزية ونظريات جمبرلن والنيوديل الخ...
للدكتور ابراهيم كبة
بيّنت الدراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي بأن المجتمع البشري واجه، منذ فجر التاريخ، ظواهر اقتصادية واجتماعية مختلفة كانت ذات صلة عميقة بطبيعته. ومن هنا ظهرت الحاجة الى التعرف والى المعرفة والى امتلاك فهم وادراك دقيق لمختلف هذه الظواهر. ويأتي "الفكر الاقتصادي والتاريخ الاقتصادي" بمثابة جهد وعمل كبير لما قام به المفكرون الاقتصاديون عبر عصور عديدة، في سبيل ايجاد مفاهيم وأفكار للظواهر الاقتصادية بغية معرفتها والتكيف او التكم بها، وجعلها أكثر ملائمة للاستيعاب عند الضرورة. وأن دراسة الاقتصاد وفهمه يرتهنان ايضاً بالمنج الذي يستخدمه هذا الكاتب او ذاك، هذا الباحث او ذاك، هذا الفيلسوف او ذاك، لغرض فهمه وادراك أبعاده.
الفكرة العامة للكتاب
يأتي مؤلف د. ابراهيم كبة "دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي"، الصادر عام 1970 عن مطبعة الارشاد – بغداد، الطبعة الاولى – الجزء الاول، والذي ساعدت جامعة بغداد على طبعه، ويحتوي على 560 صفحة من الحجم المتوسط، متضمناً مقدمة حول مواد الكتاب في صفحة 7 الى صفحة 48، والقسم الاول تحت عنوان "تاريخ الاقتصاد" من 49 – 262) صفحة. وهو مقسم الى اربعة فصول. الفصل الاول "مقدمة في الادب الاقتصادي (51 – 82)، والفصل الثاني "نظرية انماط الانتاج" (83 – 111)، والفصل الثالث "نظام المشاعية البدائية" (112 – 138)، والفصل الرابع "نظام العبودية" (139 – 262). والقسم الثاني يحمل عنوان "في تاريخ الفكر الاقتصادي" في الصفحات 263 – 559. وقد وضعه في فصول. الفصل الاول "ملاحظات عامة" (ص 264 – 334)، والفصل الثاني "الفكر العبودي" (335 – 380)، والفصل الثالث "الفكر الاقطاعي" (381 – 419)، والفصل الرابع تحت عنوان "شومبيتر والفكر السكولائي" (420 – 459)، والفصل الخامس "الماركنتيلية" (490 – 532)، والفصل السادس "الكامرالية" (533 – 556). واضعاً لكل قسم او فصل من فصوله فهرساً تفصيلياً خاصاً مع هوامش وحواشي لمزيد من التفصيلات، وبعض المفردات المعرفية الخاصة بآراء المفكرين وتواريخ تناولهم للمادة المطروحة.
فلم يكتف المؤلف بمراجعة المصادر الثانوية، بل بذل مجهوداً كبيراً في الرجوع الى المؤلفات الاصلية لاصحاب المذاهب والآراء، وبلغتهم الاصلية، موفراً مادة مليئة بالعطاءات التاريخية والفكرية، وبالوقائع والنظريات وملاحظاته النقدية لها، التي تشكل مادة غنية بين أيدي الدارسين والباحثين والقراء، للاستفادة منها، وأن تكون حافزاً للتعمق اكثر وللتحليل ولمراجعة الاصول التي اعتمدها المؤلف.
المنهج العام للكتاب
تناول د. كبة في القسم الاول "التاريخ الاقتصادي" في الصفحات 49 – 262، بعد مقدمة للتحليلات اللمية، مقدماً مادة منهجية منذ البدايات، تناول أسسه المنهجية، حيث يضع عناوين كمقدمة عامة في مادة التاريخ الاقتصادي، تشمل:
أ – موضوع التاريخ الاقتصادي الذي يعني، حسب المؤلف، بدراسة النشاطات الاقتصادية Activities، كما في الواقع، او حسب تعبير اندريه بيتر Andre Pietter يعني بتاريخ الحياة الاقتصادية Vie او بتاريخ الوقائع الاقتصادية Faits، حسب تعبير مؤرخي الاقتصاد الفرنسيين او بتاريخ الخبرات والتجارب الاقتصادية Experiences حسب تعبير شمبيتر Schumpeter او بتاريخ تطور العمليات الاقتصادية، متجسدة عبر الزمن Process حسب تعبير اوسكار لانجه او تاريخ تعاقب الانظم الاقتصادية Economic Systems.
ب – كما يتناول المؤلف أساليب عرض المادة في المؤلفات الاكاديمية، أي دراسة التاريخ الاقتصادي حسب التقسيم الاكاديمي التقليدي للتاريخ العام الى عصور قديمة ووسطى وحديثة، مثال هيتون Heaton، ومؤلفه "التاريخ الاقتصادي لاوربا"، منتقداً (د. كبة) عيوب هذه الطريقة، فضلاً عن الغموض والشكوك الحديثة حول هذا التقسيم، كما يشير الى اقتصارها على الزوايا والاطر التاريخية فقط من دون التعمق، او في دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية القطاعات الاقتصادية (زراعية، صناعية، تجارة... الخ)، والاسلوب الذي يتخذه برني Brinie في مؤلفه "تاريخ اقتصادي لاوربا"، ويفند د. كبة هذه الطريقة بأنها تكمن في تجزئة العملية الاقتصادية بصورة مصطنعة، او في استعراض تاريخ أجزاء من العمليات الاقتصادية تعود لأنظمة اقتصادية مختلفة من دون ملاحظة وظائفها المتيانية، او الدراسة الاقليمية للتاريخ الاقتصادي، اي استعراض التاريخ من زاوية التوزيع الجغرافي للعملية الاقتصادية. ويعطي مثل كتاب كول G. D. H Cole "مقدمة للتاريخ الاقتصادي 1750 – 1950" وملاحظة د. كبة حول ذلك، لا ضير عن هذه الطريقة، لكن يشرط ان لا تستعمل إلا كتجسيد او تطبيق اقليمي لعملية تطور النظم الاقتصادية نفسها، بالاضافة الى كونها تخلط بين الاسلوب المناسب للتاريخ الاقتصادي وأسلوب الجغرافية الاقتصادية.
كما ان المؤلف يشير الى الدراسة المقارنة للتاريخ الاقتصادي، كما يفعل ولتر بكنكهام W. Buckingham في مؤلفه "النظم الاقتصادية النظرية – دراسة مقارنة"، وهو يقارب بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي. وهناك خلط، كما يقول د. كبة، بين التاريخ الاقتصادي والنظرية الاقتصادية، او كما يفعل رالف بلوجت R. Blodgette في مؤلفه "النظم الاقتصادية المقارنة"، وعيوب هذه الافكار والنظريات في أن الاسلوب قد يكون مفيداً من الناحية العملية، ولكنه مضر من ناحية اهماله للطابع العضوي للنظام الاقتصادي، او كما تجري الدراسة المؤسسية Institutional للتاريخ الاقتصادي، أي التركيز على تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، مثال دراسة الاقتصاديين الامريكيين كولمان وسكنر Kuhlman & Skinner في مؤلفهما "النظام الاقتصادي" (طبعة منقحة 1964)، دراسة النظام الامريكي من زاوية الملكية الخاصة ونظام الاسعار الحر Free price system، وعيوب الدراسة، كما يقول د. كبة، من انها تهمل في الحقيقة المفهوم العلمي للنظام الاقتصادي، فضلاً عن مفهومها الخاطئ للراسمالية والخلط بين الدراسة النظرية والواقع الاقتصادي. ويستعرض المؤلف ايضاً دراسة النماذج النظرية Economic Models في التاريخ الاقتصادي، أي دراسة الخصائث الجوهرية للنظم الاقتصادية – التاريخية (اقطاع، رأسمالية، اشتراكية... الخ) بعد تجريدها من التفاصيل غير المهمة. وهنا يقف د. كبة الى جانب هذا الاسلوب من الدراسة للتاريخ الاقتصادي، معتبراً اياه خطوة لا غنى عنها لفهم جوهر الانظمة الاقتصادية التي تعاقبت، ولكن المنهجية العلمية تفترض ان يعقب التجريد عملية اخرى هي عملية التقريب او التمديد المتعاقب Successive Approximation، وغير ذلك ستكون الدراسة مشوبة بعيب التجريد والبعد عن التاريخ الحقيقي، ويعطي مثال دراسة بول سويزي Paul Sweezy المعروفة عن "نظرية التطور الرأسمالي"، او في دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية النمو الاقتصادي Growth او بعبارة أخرى دراسة تاريخ النمو الاقتصادي، وكمثال مؤلف كلاف Clough بعنوان "التطور الاقتصادي للحضارة الغربية"، وتركز الدراسة على الجوانب القطاعية (زراعة، صناعة، تجارة، ائتمان، مواصلات... الخ). وطابعها العام، كما يقول د. كبة، هو الطابع التكنولوجي. كما يشير المؤلف الى اسلوب بعض أنصار المدرسة التاريخية الالمانية، في تقسيم التاريخ الاقتصادي الى مراحل تاريخية مختلفة Stufen، والتي تتميز كل منها بسيادة نظام اقتصادي معين، مع التأكيد على الطابع المثالي او الروحي الذي يميز الانظمة المذكورة، كما يفعل ماكس فيبر (1946 – 1920) في كتابه "التاريخ الاقتصادي العام"، ومؤلف فرنر سومبارت F. Sombart (1863 – 1941) في مؤلفه "الرأسمالية الحديثة"، والاشتراكي البريطاني توني tawny في مؤلفه عن "الدين ونشوء الرأسمالية". وملاحظة د. كبة من ان المفهوم الروحي للتاريخ الاقتصادي يستند على منهج يخالف على طول الخط اولويات المنهج العلمي، الذي يتسم بطابعه المادي، بالمعنى الفلسفي، ومن ان هذه الاساليب يشوبها عيبان مشتركان هما: عيب التجزئة من جهة، وعيب اللاتاريخية من جهة أخرى.
وينتهي د. كبة ملاحظة بالاشارة الى ان الطريقة الصحيحة، في رأيه، في عرض التاريخ الاقتصادي هي طريقة دراسة تطور وتعاقب النظم الاقتصادية (نظم الانتاج والتوزيع) بسائر مقوماتها العلمية، وفي اطرها الاجتماعية والتاريخية (أنظر ص 60). وفي الصفحات التي تليها يضع المؤلف قائمة بأسماء المؤلفات التي تساعد في دراسة المادة في الجامعات.
أهم الاشكاليات التي تناولها المؤلف
يرى د. كبة ان من المناسب الاشارة الى بعض النظريات حول مراحل التاريخ الاقتصادي، ويختار منها بعض نظريات التفسير الاقتصادي، تاركاً النظريات الاجتماعية الأخرى... الخ
أ – مثل نظرية فون لست F. List حول مراحل التاريخ الاقتصادي القومي، وهو من رواد المدرسة التاريخية الالمانية والمدرسة الرومانتيكية الالمانية ومؤسس المدرسة الوطنية فيها. ونظامه الفكري في كتابه "النظام الوطني للاقتصاد السياسي"، ويقوم نظامه الفكري على ثلاث أركان (نظري، عملي، تاريخي). وتستند نظريته الى اعتبار تقسيم العمل هو العامل الحاسم في التطور الاقتصادي، ولهذا العامل ايضاً يكتسب أهمية من قبل آدم سمث، وقبله افلاطون وارسطو، إلا ان هذا العامل، حسب رأي د. كبة، لا يمكن ان يكتسب دلالته إلا ضمن نمط العلاقات الانتاجية بمجموعها.
ب – نظرية هلدبراند حول مراحل التطور الاقتصادي للامم
يعتبر برونو هلدبراند (1812 – 1878) أحد مؤسس المدرسة التاريخية الالمانية، والذي هاجم المدرسة الكلاسيكية البريطانية في مؤلفه "الاقتصاد السياسي للحاضر والمستقبل"، وهو يرى ان مهمة علم الاقتصاد يجب ان تقتصر على دراسة التاريخ الاقتصادي الحقيقي للامم. وطرح نظرية المراحل الثلاث للتاريخ الاقتصادي (الطبيعي – النقدي – الائتماني)، ونظريته لاقت نقداً لعدم تطابقها مع الوقائع التاريخية الحقيقية، حيث يؤكد التاريخ الاقتصادي ان استعمال الائتمان سبق استعمال النقود المعدنية (استعمل الفراعنة الائتمان منذ الألف الثانية قبل الميلاد، بينما لم تستعمل النقود المعنية قبل القران الثامن) (قز م – ص 66). هذا بالاضافة الى نظرتها السطحي للتبادل واعتباره محوراً أسياسياً، في حين ان التبادل هو شكل من أشكال التوزيع.
ج – نظرية مورغان لمراحل التطور الاقتصادي بفعل تطور أدوات الانتاج
من الاوائل الذين ركزوا على أهمية العامل التكنولوجي (تطور أدوات الانتاج) كان الانثروبولوجي بالامريكي هنري موركان H. Morgan، وعلى نشوء وتطور وانحلال النظم الاقتصادية. وتعد نظريته، كما يشير د. كبة، احد المصادر الاساسية للنظرية الاشتراكية، وذلك بتأكيدها على عامل قوى الانتاج، واعتباره الحافز الاول للتطور الاقتصادي والاجتماعي. ويلاحظ على هذه النظرية من انها وحيدة الجانب one side لاعتبار ان التقدم التكنولوجي نفسه مشروط دائماً بالمحيط الاجتماعي.
د. نظرية بوخر في تطور الوحدات الاقتصادية:
كان بوخر (1847 – 1930) احد أقطاب المدرسة التاريخية الالمانية الجديدة بجانب شمولر وماكس فيبر وسومبارت، وهو يشير في كتابه "نشوء الاقتصاد" (1893) الى ان الاقتصاد مر بثلاث مراحل تاريخية هي "المرحلة المنزلية، مرحلة اقتصاد المدن، مرحلة الاقتصاد الوطني". ونظريته لها تأثير في صياغة المدرسة الاقتصادية الامريكية – المؤسسية Institutional (قبلن كوفنر، ميتشل... الخ)، كما اشار لها بوضوح افلاطون وارسطو، كما اشار لها آدم سميث لتقسيم العمل.. الخ، وبسبب طابعها الميكانيكي هاجمها سومبارت، فضلاً عن الاقتصاديين المعاصرين.
هـ - نظرية روستو في مراحل النمو الاقتصادي
يرى روستو بأن جميع الاقطار تمر في تطورها الاقتصادي بخمس مراحل من المرحلة الدنيا الى الأعلى، وهي:
1 – مرحلة المجتمع التقليدي Traditional
2 – مرحلة الشروط المسبقة الانطلاق Preconditions of take off
3 – مرحلة الانطلاق Take off
4 – مرحلة السير نحو النضوج Drive toward maturity
5 – مرحلة الاستهلاك الجماهيري المرتفع High mass consumption
وبعد ان يشير د. كبة لكل مرحلة وما يخبرها من المراحل الاخرى، يقدم ملاحظاته النقدية، في كونها تشكل مجموعة من أفكار البرجوازية، ولا تحتوي على عنصر جديد، لا في فكرها الاجتماعي او الاقتصادي، وهي خليط متنافر من آراء مجموعة الاشتراكيين التصحيحيين Revisionists والتكنولوجيين المعاصرين، وبعض الآراء الكنزية، الى جانب العديد من الاراء المغرقة في الفاشية والنازية وموجهة لتحقيق أهداف محددة، وهي معارضة للاشتراكية ولحركة التحرر الوطني.
و – نظرية اندريه بيتر في ربط مراحل التطور الاقتصادي بمراحل حضارات البحر المتوسط
نظرية اندريه بيتر تتلخص من ان الحضارات اليونانية والرومانية والغربية الحديثة مرت بثلاث مراحل. المرحلة الاولى تميزت بخضوع الاقتصاد Subordonnee للتقاليد الدينية والاخلاقية، حتى القرن الثامن عشر. اما االمرحلة الثانية، فانها تتميزيز بتحرر المجتمع من هذه التقاليد وينتزع الاقتصاد نحو التحرّر ويتحول من خاضع الى اقتصاد مستقل Independent، ودخلت اوربا في هذه المرحلة ابتدءاً من القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والمرحلة الثالثة تتميز بانحلال عناصر الفردية وتحول الحرية الى فوضى والسلطة الى استبداد، بسبب الطابع اللاأخلاقي لتراكم الثورة، وتضطر الدولة للتدخل في الحياة الاقتصادية، ويتحول الاقتصاد الى الاقتصاد الموجه Dirigee، مرحلة تدخل الدولة Estatisme
ينتقد د. كبة هذه النظرية ويصفها بالمثالية والسطحية في علاقة الاقتصاد بالدولة، بقوله ان جوهر المراحل يتحدّد بطبيعة قوى الانتاج بعلاقات الانتاج والتفاعل بينهما، ونتيجة لهذه الرؤيا لا يفرق بيتر بين المراحل التي مرت بها البشرية (العبودي – الاقطاعي – العصور الحديثة... الخ) ص 79.
كما يتناول د. كبة الجوانب المختلفة من العملية الاقتصادية ، Economic process، أي النشاطات المتعلقة بانتاج وتوزيع الوسائل المادية (أي البضائع) الضرورية لاشباع الحاجات الانسانية، ويقسم العلوم الاقتصادية الى العلوم الاقتصادية النظرية Theoretical، أي دراسة القوانين الاجتماعية التي تحكم العملية الاقتصادية والنظم الاقتصادية التاريخية المختلفة (البدائي، العبودي، الاقطاعي، الرأسمالي، الاشتراكي.. الخ).
وتقوم هذه النظم المختلفة على أساس مشترك هو الانتاج والتوزيع، وكلها اقسام من علم الاقتصاد السياسي، وتشمل ايضاً "تاريخ الفكر الاقتصادي" او ما يسمى احياناً تاريخ المذاهب الاقتصادية (ص 80). كما ان هنالك العلوم الاقتصادية الوضعية Descriptive، وهي التي تدرس العملية الاقتصادية متجسدة بالواقع في الازمنة والامكنة المعينة... بالاضافة الى تناولها التوزيع الجغرافي للعملية الاقتصادية والاحصاء الاقتصادي، والى جانب هذه العلوم، هنالك العلوم الاقتصادية التطبيقية، او كما تسمى أحياناً الفرعية Brach أو القطاعية Sartorial او المتخصصة Specialised او المتخصصة Specialised (حسب تعبير شمبيتر)، التي تعالج قطاعات معينة من الاقتصاد (الزراعي، الصناعي، التجاري، المصرفي، المالي... الخ) – ص 8.
كما ان د. كبة يوضح العلاقة بين التاريخ الاقتصادي وتاريخ الفكر الاقتصادي، والخلط الذي تذهب اليه بعض المؤلفات الاكاديمية بين هذه العلمين، مشيراً الى ان التاريخ الاقتصادي هو علم وصفي، يتناول الواقع التاريخي للعملية الاقتصادية، علم وقائع Factual، انه الوجه الواقعي (وجود – واقع) وجزء من القاعدة الاقتصادية Economic base، جزء من علاقات الانتاج، في حين ان تاريخ الفكر الاقتصادي، هو تاريخ الصياغات النظرية للقوانين الاقتصادية، والوجه النظري للعملية الاقتصادية (فكر – نظرية)، وجزء من مفهوم الايديولوجية او مفهوم البناء الفوقي – العلوي Super structure.
وعليه فان التاريخ الاقتصادي هو الاساس المادي لتاريخ الفكر الاقتصادي (ص 82).
كيف يرى بعض الاشكالات من منظوره؟
يتناول د. كبة الاسس المنهجية في دراسة نظرية انماط الانتاج في الفصل الثاني (ص 85)، واضعاً الاطار المنهجي لمجموع الدراسات الخاصة في هذا القسم. وفي دراسة مكثفة يأخذ في الاعتبار مجموع العوامل المادية والفكرية، التي توجه النظام الاقتصادي، مشيراً الى بعض المفاهيم الاقتصادية الاولية، معرفاً الاقتصاد السياسي بأنه العلم الذي يعنى بدراسة القوانين الاجتماعية التي تحكم انتاج وتوزيع البضائع لاشباع الحاجات الانسانية، سواء كانت هذه الحاجات حيوية (بايولوجية) او اجتماعية، والتي يقرّرها مستوى الثقافة العام في المجتمع، وقد تكون الحاجات فردية او جماعية... وغيرها من التعريفات التي ترتبط بعملية الانتاج والتوزيع والعمل، وكل ما يرتبط بالاقتصاد السياسي من قوانين.
وفي الفصل الثالث تناول نظام الاقتصاد البدائي او "المشاعي"، مؤكداً على طابعه التاريخي الشمولي، رابطاً اياها بالاصول البايولوجية والانتروبولوجية للتاريخ الانساني، الذي يوفر بدوره شروط نشوء النشاط الاقتصادي، وأن الملكية المشتركة لوسائل الانتاج اساس العلاقات الانتاجية، وتطابق تعاونية العمل، وهذا التطابق بين الملكية وقوى الانتاج جاء نتيجة لضعف الفرد المنعزل وليس نتيجة جعل وسائل الانتاج اجتماعية... والقانون الاقتصادي الاساسي لنظام انتاج المشاعية هو ضمان وسائل المعيشة الضرورية للانسان بالاعتماد على أدوات انتاج بدائية، وعلى اساس مشاعية تملك وسائل الانتاج، والعمل الجماعي، وطريقة التوزيع المتساوي للمنتجات. وكان التقسيم الوحيد للعمل هو التقسيم الطبيعي "رجال ونساء" (ص 118).
وفي الفصل الرابع (ص 139 – 261) يتناول المؤلف الاقتصاد العبودي معالجاً فيه مسائل نظرية حول نمط الانتاج العبودي – نظرية شروت وكوتتر، ودور القطاع السلعي، والطبقات) دراسة سولتو، نظرية اوتشتكو، الدولة والمجتمع العبودي، والازمة العامة للنظام العبودي، ملقياً اضواء ساطعة على أهم معالم نشوء المؤسسات الحضارية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويمكن القانون الاقتصادي الاساسي للنظام العبودي في انتاج مقدرا من فائض المنتوج Surproduit لاشباع حاجات مالكي العبيد، وذلك عن طريق الاستثمار (الاستغلال) الوحشي للعبيد على اساس التملك الكامل لوسائل الانتاج والعبيد من قبل مالكيهم، وعن طريق استرقاق asservissement والحاق الخراب بالفلاحين والحرفيين وتحويلهم الى عبيد مرحلة الانتقال الى العبودية – وكذلك عن طريق قهر واسترقاق شعوب البلدان الاخرى. موضحاً ملاحظاته (د. كبة) على نظرية شروت وكنتر فيما يتعلق عن العبودية الشرقية وأن طروحاتهما حول النظام الآسيوي نوعاً من العبودية لا تستند لاساس علمي، بالاضافة الى تغطيته الى الحقبة التاريخية البعيدة التي مرت، كقطاع الزراعة والحرف والتجارة وتقسيم العمل والتبادل والسلع والنقود والائتمان والطبقات الاجتماعية والدولة والمؤسسة العسكرية والثورات وغيرها.
والنظام العبودي هو الذي كان قد مكن على نطاق واسع نسبياً من تقسيم العمل بين الصناعة والزراعة، وبالتالي من بلوغ العالم القديم الذروة في الحضارة الهيلينية Hellenisme وبوجون العبودية لم يكن من الممكن وجود الدولة اليونانية او الفن والعلم الاغريقيان. الحال بدون قاعدة الحضارة الهيلينية والامبراطورية الرومانية، ما كان بالامكان ظهور اوربا الحديثة، مقتبسة من انغلز "الرد على دوهرنغ" Engels (Anti-Duhring) ص 199.
اما القسم الثاني من مؤلف د. ابراهيم كبة فمخصص عن "تاريخ الفكر الاقتصادي" (ص 263 – 556)، الذي تناول فيه بعض التيارات الفعالة في تاريخ الفكر الاقتصادي، بدءاً بالفكر اليوناني والروماني، وصولاً عبر السكولائية والماركنتيلية الى النظرية الكنيزية في الثلث الثاني من القرن العشرين.
حاول المؤلف ان يكرس جهداً كبيراً في دراسة الجوانب المنهجية والمبدئية والنظرية العامة، مستعرضاً الجوانب النقدية للمؤلفات الاكاديمية الحديثه، من وجهة نظره، مقدماً منهجاً علمياً شاملاً للافكار والمفاهيم والأسس المنهجية التي يمكن الاطمئنان لها، في دراسة تفاصيل التاريخ والأزمنة والوقائع والافكار الاقتصادية وفي تحديد المفاهيم الاساسية للعلوم الاقتصادية مثل المذهب، النظرية، النظام، المنهج، السياسة، المؤسسة، الفكرة، الفكر... الخ). بالاضافة الى تناول المناهج الاكاديمية (المنهج الكلاسيكي، التاريخي القطاعي، الاقليمي، المقارن... الخ، مركز على العيوب البارزة التي تصاحب التجزئة، التجريد، الشعلية.. الخ، ومن منهجية اعتمدها المؤلف. حيث يتناول الموضوع خلال دراسته لنظرية انماط الانتاج باعتبارها اطار لمجموعة الدراسات المنهجية الخاصة في هذا القسم من الكتاب، مشيراً الى حداثة المادة المطروحة، كما يذهب الى ذلك اريك رول Eric Roll في مؤلفه "تاريخ الفكر الاقتصادي" A History of Economic.
وفي القرن الثامن عشر ظهرت بعض المؤلفات في هذا الموضوع، يأتي في المقدمة منها من حيث الاهمية مؤلف آدم سمث Adem Smith "ثورة الامم" الذي يستعرض فيه الماركنتيلية، وما كتبه المؤرخون الاشتاركيون من الالمان في القرن التاسع عشر لتثبيت المنهج التاريخي مثل شمولر والناقدين للنظام الرأسمالي وفكره الاقتصادي من امثال كارل ماركس ونظريته في فائض القيمة ودوهرنغ في التاريخ النقدي للاقتصاد الوطني والاشتراكية، حتى اواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين حيث اصبح تاريخ الفكر الاقتصادي مادة مستقلة وأكثر مرغوباً Popular.
ويحدد د. كبة الاهمية لدراسة المادة، في انها تؤكد الطابع العلمي لعلم الاقتصاد وتجنب المرء خطر "التجريد" الشائع في علم الاقتصاد الاكاديمي أولاً، وثانياً في كونها تشكل مدخل لدراسة النظرية الاقتصادية المعاصرة واستيعاب الجدل القائم فيها بين الاقتصاديين، حول نظرية ارسطو في الطبقات الاجتماعية، او نظرية ريكاردو في الريع التفاضلي او آراء توماس الاكويني حول الربا او النظريات الفيزيوقراطية حول الزراعية، وكذلك كينز الذي احيى نظريات مالتس وبرودون وسيسموندي في أهمية الطلب الفعال ودوره في التحليل الاقتصادي. وهنا يؤكد د. كبة على أهمية الجدل للنظريات الاقتصادية المعاصرة من جهة، والمفكرين الذين يمثلون هذه الاتجاهات. وثالثاً يشير الى ان دراسة المادة لتجنب تكرار الاخطاء في السياسة الاقتصادية ولضمان التقدم في هذا الميدان، والبناء على أسس الفكر السابق، وتجنب ما يسميه كونار الزيزفية الفكرية Sisiphisme Intellectuelle في اشارة الى اسطورة زيزيف اليونانية المعروفة. ورابعاً لاثبات استمرارية ووحدة الفكر الاقتصادي منذ العصور القديمة حتى الآن. وخامساً هو التأكيد على الطبيعية الاجتماعية للاقتصاد وارتباطه بجميع العلوم الاجتماعية الاخرى كالسياسة، الاخلاق، الفقه، والجماليات وعلم الاجتماع... الخ). وسادساً هو ادراك نسبية Relativity الافكار الاقتصادية، وعدم تمتعها بقيم مطلقة وتوقفها على الظروف الزمانية والمكانية، مما يوحي بأهمية التطور من دون الثورة في زعم هاني Haney في مؤلفه "التاريخ الفكري للاقتصاد " History of Economic، كما يشير الى ذلك د. كبة. وسابعاً، ولأهمية التميز بين "علم الاقتصاد" كمجموعة قوانين موضوعية، وبين الاقتصاديين الذين يختلفون في تفسيراتهم لهذه القوانين، تبعاً لاختلاف فلسفة الحياة واختلاف المنهج Method.
كما ويشير د. كبة الى ان وراء كل فكر اقتصادي "قديم وحديث" فلسفة اجتماعية، هي حسب تعبير شتارك Strak مجموعة الافكار والمثل الاجتماعية التي صدر عنها في الاصل "علم الاقتصاد السياسي والتي يرجع اليها على الدوام". والاختلاف بين المدارس المختلفة حول ماهية الفلسفة، حيث يذهب ستارك الى القول بأن فيلسوفي الاقتصاد الكلاسيكي هما لوك ولايبتز، وان رائدي الاقتصاد الحديث، يقصد الكلاسيكي الجديد، على حد قول كبة، هما جننكس Jenning وكوسن Gossen، وأن خير معبر عن الأزمة الكبرى التي قاد الى التحول من الاقتصاد الاول الى الاقتصاد الثاني هما تومبسون Thompson وهوجسكن Hodgskin، في حين يرى لاجوجي ان هيوم هو فيلسوف الليبرالية الكلاسيكية.
يميل د. كبة الى الربط بين الصلة الأكيدة بين التحليل الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية، ومن الصعوبة فهم الاول من دون الثاني، وأن للفكر الاقتصادي جذرين، الاول الجذر الفلسفي، او ما يدعونه "الصورة العالمية للحياة الاجتماعية، والثاني الجذر العملي، اي الآراء والحلول لمشاكل الحياة الاقتصادية العملية، التي تصدر عن الساسة ورجال الادارة ورجال الا عمال... الخ.
وتأتي أفكار الامريكي افرتن تيلر E. Taylor لتدافع عن مؤرخي الفكر الاقتصادي المعاصرين وعن ارتباط الفكر الاقتصادي بتاريخ الفلسفة الاجتماعية ورد على بعض الاعتراضات الاكاديمية الموجهة ضد هذا المنهج بشكل مفصل، واعتراضه الاول مخالفة المنهج لمبدأ التخصص الواجب الالتزام به بدقة في البحث العلمي والثاني قائم على اختلاف الطبيعة بين مادتي الفكر الاقتصادي والفلسفة الاجتماعية. يؤشر الاعتراض من ان الاقتصاد علم من العلوم الوضعية وتاريخ الفكر الاقتصادي، هو تاريخ لاكتشاف نظرية علمية وتسجيل لتطور أنواع المعرفة الحقيقية، بينما لا ترتفع النظريات السياسية والاخلاقية والفلسفية عن المستوى الايديولوجي الصرف، أي مجرد التعبير عن طرائق تفكير تأملية Speculative، لينتهي الى اعتبار المادتين بمثابة كل مركب Composit shole بعد ان درس المناخ الفكري العام في اوربا في القرن الثامن عشر (مناخ حركة التنوير Enlightenment). وحدّد الانجازات الاقتصادية للمدرسة الفيزوقراطية وفكر آدم سمث وفلسفته الليبرالية ودراسته لاقتصاد مالش + ريكاردو + مل، ودراسة للمذهب النفعي والنظام الكلاسيكي، بالاضافة الى دراسته الماركسية وارتباطها بالفكر الاشتراكي العام، وبفلسفة هيغل، والاقتصاد الريكاردي بالاضافة للمذاهب الكلاسيكية الجديدة ونظريات الافريد مارشال، في أواخر القرن الماضي، يقصد القرن التاسع عشر ودرس الجو الفكري في انكلترا "جو الليبرالية المحافظة Conservatoire Liberalism بالاضافة الى دراسته للكينزية ونظريات جمبرلن والنيوديل الخ...
مواضيع مماثلة
» النمو الاقتصادي
» تعرف على برنامج الإصلاح الاقتصادي العاجل بالسودان
» إعداد قوائم مالية موحدة في تاريخ السيطرة
» تعرف على برنامج الإصلاح الاقتصادي العاجل بالسودان
» إعداد قوائم مالية موحدة في تاريخ السيطرة
المكتبة الالكترونية السودانية - sudan :: المكتبة الالكترونيه - بحوث متنوعه - اقتصاد - ادارة - طب - هندسه - ومذيد :: المكتبة الالكترونيه السودانيه
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء ديسمبر 22, 2021 11:08 pm من طرف بحث
» نصائح فعالة تعلّمنا كيف نقول لا
الثلاثاء ديسمبر 21, 2021 11:09 am من طرف بحث
» ماهي اسباب رتفاع اسعار ارضي وبيوت في السودان
الأربعاء مايو 26, 2021 12:19 pm من طرف زائر
» معرفة اسرار لوحة المفاتيح في الكي بورد الكمبيوتر واللاب توب
الجمعة مارس 19, 2021 9:12 am من طرف بحث
» كيف تؤثر العملات الرقمية مثل عملة البيتكوين على سعر الدولار ؟
الإثنين مارس 15, 2021 5:20 pm من طرف بحث
» أهداف الاستراتيجية هي
الإثنين مارس 08, 2021 9:56 pm من طرف بحث
» العلاقة بين المحاسبة والمراجعة
الخميس مارس 04, 2021 9:23 pm من طرف بحث
» تعريف المحاسبة ؟
الخميس مارس 04, 2021 10:45 am من طرف بحث
» المحاسبه
الخميس مارس 04, 2021 10:44 am من طرف بحث